تدبر القرآن حياة القلوب

التدبُّر حياة للقلوب، ونور للعقول، وسرّ السعادة في الدنيا والآخرة. فهل آن لقلبك أن يلين لذكر الله؟

📖ما معنى تدبر القرآن؟

📚 تدبر القرآن هو: أن تعلم أنك مخاطَب بكلام الله تعالى، فتُصْغِي له بأذن قلبك، وتتأمله بعين فؤادك، فإذا وعيت عن الله تعالى قوله، وفهمت من كلامِهِ مرادَهُ، وتَشَرَّبَ قلبُكَ معانيه، فانهض لامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، حتى يُرى القرآن في سمتك، وتصطبغ به أخلاقك، ويظهر أَثَرُه على قولِكَ وفعلِكَ. أهـ.

📚 قال السيوطي: "وتسن القراءة بالتدبر والتفهم فهو المقصود الأعظم والمطلوب الأهم وبه تنشرح الصدور وتستنير القلوب..

ثم ذكر صفته فقال: أن يشغل قلبه بالتفكير في معنى ما يلفظ به فيعرف معنى كل آية ويتأمل الأوامر والنواهي ويعتقد قبول ذلك فإن كان مما قصر عنه فيما مضى اعتذر واستغفر وإذا مر بآية رحمة استبشر وسأل أو عذاب أشفق وتعوذ أو تنزيه نزه وعظم أو دعاء تضرع وطلب. [الإتقان في علوم القرآن (2/ 678)]

🌸 كيف يكون التدبر؟

أن يكون قلب القارئ حاضرًا، مشغولًا بمعاني ما يتلوه، لا يمرُّ بالآيات مرور الغافلين.  - إذا مرت بك آيةُ أمرٍ، فتفقد نفسك: هل امتثلت؟ وإن قصرت فاستغفر. 

- وإذا مرت بك آية وعدٍ بالجنة، استبشر واسأل الله. 

- وإذا مرت بك آية وعيدٍ بالنار، خِف وتعوّذ. 

- وإذا مرت بك آية تنزيه لله، عظّم ونزّه. 

- وإذا مرت بك آية دعاء، تضرع إلى الله مع الداعين.

📚 لماذا التدبُّر مهم؟

قال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ [ص: 29] فبيَّن الله الغايةَ من إنزاله.

وبيّن الله سبحانه أن الإعراض عن التدبر سمة الكافرين والمنافقين، حيث أنَّبَ الكفَّار بمكَّةَ الذين أعرضوا عن القرآن فلم يدَّبرُوا القول الذي أَنزلَ الله فقال تعالى: ﴿أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ﴾ [المؤمنون: 68]

ثمَّ أَنزلَ اللهُ في المنافقين في المدينة يلومهم على ترك تدبُّرِ القُرآنِ، فقال: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾ [النساء: 82]، ثمَّ أنزل اللهُ في المنافقين أيضاً: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ [محمد: 24]، وهذه الآيات هي تحذيرٌ لجميع المسلمين أن يسلكوا طريق الكفار والمنافقين.

📚وقال عن الذين يحفظون التوراة ولا يعملون بها: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ [الجمعة: 5]، قال أبو بكر الطرطوشى المالكي: فدخل في عموم هذا من يحفظ القرآن من أهل ملتنا، ثم لا يفهمه، ولا يعمل بما فيه. [الحوادث والبدع (ص: 101)]

📚وقال ابن عيينة في قول الله تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾. «‌أنزع ‌عنهم ‌فهم ‌القرآن، فأصرفهم عن آياتي». [تفسير الطبري (10/ 443)]

قال ابن القيم:

فتدبَّرِ القرآن إن رمتَ الهدى     فالعلم تحت تدبُّر القرآنِ

🌿 تدبر النبي ﷺ للقرآن.

ومما يدل على كمال تدبره ﷺ للقرآن:

🌸عَنْ حُذَيْفَةَ؛ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ ذَاتَ لَيْلَةٍ. فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ. فَقُلْتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ. ثُمَّ مَضَى. فَقُلْتُ: يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ. فَمَضَى. فَقُلْتُ: يَرْكَعُ بِهَا. ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا. ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا. يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا. إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ. وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ. وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ.». [صحيح مسلم (772)]

🌸عَنْ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: قَالَ لِي رسو اللَّهِ ﷺ "اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ" قَالَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَقْرَأُ عَلَيْكَ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ؟ قَالَ "إِنِّي أَشْتَهِي أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي" فَقَرَأْتُ النِّسَاءَ. حَتَّى إِذَا بَلَغْتُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [4/النساء/الآية-41]. رَفَعْتُ رَأْسِي. أَوْ غَمَزَنِي رَجُلٌ إِلَى جَنْبِي فَرَفَعْتُ رَأْسِي. فَرَأَيْتُ دُمُوعَهُ تَسِيلُ. [صحيح البخاري (4582) ومسلم (800) واللفظ له]

🌸عَنْ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَكَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ»، وَفِي سُجُودِهِ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى»، وَمَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إِلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا فَسَأَلَ، وَلَا بِآيَةِ عَذَابٍ إِلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا فَتَعَوَّذَ. [(صحيح) سنن أبي داود (871)]

🌸عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَاكَ قَدْ شِبْتَ، قَالَ: «‌قَدْ ‌شَيَّبَتْنِي ‌هُودٌ ‌وَأَخَوَاتُهَا». [(صحيح) الشمائل المحمدية للترمذي (42)]

🌸عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ شِبْتَ، قَالَ: «شَيَّبَتْنِي هُودٌ، وَالْوَاقِعَةُ، وَالْمُرْسَلَاتُ، وَعَمَّ يَتَسَاءَلُونَ، وَإِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ». [(صحيح) الشمائل للترمذي (41)]

🌸عن أبي عبدِ الرحمنِ السُّلَمي قالَ: (حدَّثنا مَن كانَ يُقرِئُنا من أصحابِ النبيِّ ﷺ أنهُم كانُوا يَقتَرِئُونَ من رسولِ اللهِ ﷺ عَشْرَ آياتٍ، فلا يَأْخُذُونَ في العَشْرِ الأُخرَى حتى يَعْلَمُوا ما في هذهِ منَ العِلْمِ والْعَمَلِ، قالُوا: فعَلِمْنَا العِلْمَ والْعَمَلَ) رواه الإمام أحمد.

🌸عن ابن عمر قال: تعلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه ‌البقرة ‌في ‌اثنتي ‌عشرة ‌سنة. ‌فلما ‌ختمها ‌نحر ‌جزورا.». [شعب الإيمان (1805)]

مما تقدم نَستشعِر أن التدبُّر ومُحاوَلة فهم القرآن واجب يتحتَّم على كل مسلم يبحث عن رضا الله سبحانه.

فلنجعل هذا أسلوبنا في كل تلاوة للقرآن، وأن نجعل لنا وردًا يوميًّا للتلاوة ولا نغفل عنه ولا نهجره.

📢 شارك الفائدة مع من تحب.

اللهم صلّ على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.